ثم يثني النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى بهذه المحامد وبهذا الوصف العظيم، فيقول: {أنت الأول فليس قبلك شيء} وفيه أن (الأول) هو: الذي ليس قبله شيء، وهذا باتفاق المسلمين والمؤمنين بالله تعالى، فقد أجمع كل من يؤمن بالله حق الإيمان أنه تعالى ليس قبله شيء.
والمتكلمون يطلقون على الله تعالى موافقة لهذا الاسم: (القديم).
ويقولون: القدم من أخص صفاته، ثم يختلفون هل (القدم) صفة ثبوتية أو صفة سلبية.
وهو جدل لا قيمة له في الحقيقة، ولكن الأفضل هو إطلاق اسم الأول؛ لأنه الذي جاء به النص في الآية والحديث؛ ولأن القديم لا يدل على الأزلية -أي: لا يدل على أنه ليس قبله شيء- بل إن القدم أمر نسبي، وقد جاء القديم في القرآن في وصف بعض المخلوقات، قال تعالى: ((وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ))[يس:39] وكل شيء يمكن أن تطلق عليه أنه قديم بالنسبة إلى غيره إذا استحق ذلك الاسم، فمن بنى بيتاً قبل عشرين سنة ثم بنى آخر بعده بعشر سنوات يصح له أن يسمي الأول بالبيت القديم؛ فالقدم صفة نسبية.
والخلاصة أن القديم ليس اسماً لله تعالى، وأنه لا ينبغي إطلاقه على الله عز وجل بزعم أنه من أسمائه.
فقوله تعالى: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ))[الحديد:3] وقوله صلى الله عليه وسلم: {أنت الأول فليس قبلك شيء} صريح وقطعي في أنه ليس قبله تعالى شيء، وأنه لا أول لوجوده، ولا موجود قبله تعالى.
قوله صلى الله عليه وسلم: {وأنت الآخر فليس بعدك شيء} كما قال المصنف رحمه الله: [قوله صلى الله عليه وسلم: {أنت الأول فليس قبلك شيء} أزلية في الابتداء، وقوله: {وأنت الآخر فليس بعدك شيء} أبدية في الانتهاء]، وهذه العبارة منقولة عن ابن القيم من الصواعق .
ما الفرق بين الآخِر بكسر الخاء المعجمة والآخَر بفتحها؟
الآخَر بفتحها بمعنى: الثاني؛ يقول اللُُّغويون: لا يقال: (الثاني) إلا إذا كان هناك ثالث، أما إن كانوا اثنين فقل الأول ثم الآخَر.
أما الآخِر بكسر الخاء المعجمة فمعناها: المتأخر، فتقول: من أسماء الله تعالى الآخِر؛ فكما أنه الأول في جهة الأزلية، فهو كذلك المحيط من جهة النهاية، فهو المحيط أزلاً وأبداً.
نلاحظ أن الأسماء الأربعة التي جاءت في الحديث تدل على الإحاطة الزمنية والمكانية؛ فاسم الأول واسم الآخر يدلان على الإحاطة الزمنية، وأما الإحاطة المكانية فيدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: {وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء} .
يقول: فهذه الأسماء الأربعة متقابلة؛ فاسمان منها لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه.